top of page
Rechercher

تفكيك «صناعة المحتوى»

  • Photo du rédacteur: قناة الكاتب عماد الدين زناف
    قناة الكاتب عماد الدين زناف
  • 9 août 2022
  • 4 min de lecture

«صناعة المحتوى» في الميزان.

مقال تفكيكي مُطوّل عن "الصَّنعة"، بين الإدّعاء والأحقيّة.

في آخر خمس سنوات، شاعَ هذا المفهوم كثيراً في أواسطنا المحليّة، وفي كل الوطن العربي، وهو تعبير غربي يُقصد به الترويج لشيء ما، أو فكرة ما، أو تعميم علمٍ ما بأسلوب حديثٍ، يعتمدُ نجاحُ أصحابهِ على جودة الطرح وتميّزه عن آخرين، مع جودة الوسائل المرئيّة لكي يظهر بمظهر جذّاب. هذا التعريف عامّ، فإذا جئنا نُسقط هذا التعريف حرفيا على "صُنّاع المحتوى"، فسوف نجد أمامنا نوعين، النوع الأوّل الذي لا غبار عليه، الجودة كاملة عندهم سواءً في الطّرح، أي الفكرة والنص الذي يُترجمها، وكذا الوسائل التي يستعملونها لنشر هذه الفكرة، فنجد أنهم أتمّوا النجومَ الخمس في هذا الميدان، بعيداً عمّا إذا كان لهم جمهور كبير أم لا، ففي هذا المقال لن أركّز كثيراً مع المتابعين. أما النوع الثاني، فهم الذي يكتفون بأحد الأمرين، سواءً بجودة الفكرة والنّص، دون إلحاقها بجودة المرئيات والوسائل، أو العكس، أي العمل على المرئيات والصورة أكثر من جودة الفكرة والنصوص المطروحة، وهذه الفئة هي الطاغية. أما بالنسبة لجودة النص دون جودة الوسائل، فهذا قد يكونُ له مبرّر الإمكانيات، التي قد تتوفّر مع الوقت، فينتقلون بذاتهم إلى المستوى الأعلى عندما يحدث ذلك، وهذا الصانع يُصنّف مع صناع المحتوى "في طريق النموّ"، وأما الذي وفّر كل الإمكانات المرئيّة مع الوسائل اللازمة، دون العمل على إعلاء جودة الفكرة، أو التميّز بطرح ما وتحاشي التكرار، مع ضرب الكف على أسلوب النص في الطرح، فهذا ليس بصانع مُحتوى، بل هو صانع لصورته الخاصة، فلا علاقة له بأي طرح فكري علمي وعظي أو تسويقي، بل هو/هي عارض(ة) للذات. ومن ذا الذي يجرأ ويسوّق لنفسه، كمادّة أصلية وليس كوسيلة تبليغ، وهو ليس بعالم وليس بفيلسوف وليس بباحث وليس له تجارب في الحياة وأعمال يمكنه أن يجعلها مادّته التي يحاجج بها؟ وا عجباً.

بدأت قصة صناعة المحتوى في أمريكا عندما شاعت مواقع التواصل وصار المثقفون هم أيضاً يعملون على نشر محتوياتهم وتخصصاتهم بنفس الطرق التي يعرضها عارضي الأزياء، فبذلك شدوا اهتمام المتابعين، فقد وُفّقوا ف جعل العلم والثقافة بكل تفاصيلها مثيرة للانتباه، لأن أصحابها مثيرون للانتباه ولهم كاريزمة خاصة تجعلهم غير قابلين للتقليد.

وقد عُرف بعضهم (pewediepie) كثيراً لدرجة أن عدد متابعيه أشهرهم وصل لـ 111 مليون في اليوتيوب، وهو من صناع المحتوى في مجال الألعاب الإلكترونية. فالمتابع له، يرى أن الإمكانيات التي يوفّرها ليست بالعالية، رغم ثرائه الفاحش من العائدات، بينما المحتوى غنيّ جدا وفيه ديناميكية كبيرة. ثم انتقلت فكرة صناعة المحتوى على جميع المنصات في لمح البصر في كل العالم، وكل واختصاصه، فقد برزوا جميعهم في مجالاتهم، فمن كان لهم السبق في مجال ما، كان محظوظا جداً، ذلك أن ما حدث في آخر خمس سنوات هو بروز التقليد بطريقة مستفزّة جداً. والتقليد طال كل من الأفكار والنص والإلقاء وطريقة التصوير والتشهير والتسويق، وحتى اللباس والعادات اليومية البعيدة عن مجال صناعة المحتوى، ما يسمى أسلوب الحياة أو فن الحياة (lifestyle).

فإذا عدنا إلى صناعة المحتوى في الوطن، بقيَ شيءٌ واحد يمكن أن يتميز به الصُنّاع عن بعضهم ألا وهو التميّز بمزاجهم وعقلياتهم خارج المحتوى، ذلك أن المحتوى في ذاته طغى عليه التقليد بشكل كبير جداً، أما المزاج والعقليات فلا يزال فيها بعض التفاوت، الذي يُحبّب صانع محتوى عن آخر، فإذا كانت الفكرة مكررة، والأسلوب مكرر، والديكور مكرّر، والاقتباسات كذلك، وطريقة التصوير كذلك، وحتى بعض النُكت والحكم والمقولات والمختارات والاقتراحات مكررة، فبقيَ نوع من اللمسة والبصمة الخاصة وهيئة الشخص الخارجية (حواشي الصناعة)، هي ما يجعل أحدهم يستقطب متابعين أكثر من غيره، وليس المحتوى نفسه. فهذا الواقع يجب أن يُقال، لا يوجد تميّز ولا إبداع إلا ما ندر، فالصناعة تستلزم صاحب صنعة، صنعة في الأدب أو الفكر والفلسفة، صنعة في الطب والصيدلة والتكنولوجيات أو السيارات والهواتف أو الرياضات أو الملابس فهل صارت صناعة المحتوى إلكترونياً، هي صنعة من لا صنعة له؟

ثمّ إننا نرى أن هناك صورةً نمطيّة واحدة لصناعة المحتوى لا يُقبل غيرها (عند المتابعين)، وهو المحتوى المرئي والسريع منه فقط. أما الكتابي في نوع المقالات، فهو لا يُعتبر صناعة محتوى لدى المتابعين، لأن الفكر والفلسفة والأدب ليسا "بصنعة" وليسوا "بمحتوى" حسب الرأي العام. حتى المرئيات، يجب أن يكون فيها الإلقاء سهلاً (بالعامية)، وممتعاً جداً، أو غريبا جداً، أو حزيناً جدا. أي، يجب أن يحرك المشاعر فقط، أما العقل والتفكير، فليس بالشيء الذي يثير اهتمام الرأي العام. وأما ما يثير اهتمام الفئة التي تسوق لذاتها كأشخاص، ولا تصنع محتوى فكري وعلمي وثقافي أو تسويقي، فهي تهتم بتضخيم عدد المتابعين، وهم يؤنسون بعضهم في هذا كلما سنحت الفرصة.

وأخيراً، احتفظت برأيي في صناعة المحتوى الحقيقي إلى هذه الفقرة، وهو بقول أن صانع المحتوى الحقيقي له لمسة خارج الوهم (وسائل التواصل الاجتماعي)، إذا كان فعلا "صانع" فهو صاحب "صنعة"، وليس صاحب "كلام"، والمحتوى "المصنوع" من المحتوى "الملموس"، أي، نصنعهُ ثم نتحدّث عنه، ولا نتحدّث عما لم نخبرهُ بعد بطريقة حسيّة، فربما يظهر لنا أن صناعة المحتوى هو شيء ترفيهي، وهو كذلك، لأن التبليغ يكمن في تحبيب الناس في الشيء، وحتى صاحب المحتوى يجب أن يستمتع بصناعة محتواه، لكن هناك الجانب الجدّي في تبليغ الشيء، أي أنني أخاطب المتابع بأسلوب جذاب، لكن حقه عليّ أن أكون "خبيراً" بما أقوله، ولو تحدّثت عن نفسي على سبيل المثال، فصناعة المحتوى الفكري والأدبي والفلسفي بالنسبة لي يجب أن يمرّ على التجربة الحسّيّة، أي، بطباعة الكتب، بنشر عدة مقالات في مواقع مختلفة، بالقدوم بأفكار ومحاولات جدّية، بأن يكون لك ظهور مرئي في القنوات وفي المحاضرات والمناقشات، فهي تعتبر امتحانات على مدى جودة الطرح ومدى تماسكه أمام الجمهور، فمنها وفقط يستطيع تقييمك كصانع محتوى (فكري فلسفي أدبي). وبهذا نستطيع إسقاط هذا في كل مجال، وما لم يُمتحن صانع المحتوى، فهو صانع هوى في الهواء والخواء.

المقال 317

 
 
 

Posts récents

Voir tout
الفينيقيون.. حصان الطروادة الثقافي

الفينيقيّون.. حصان الطروادة الثقافي مقال عماد الدين زناف. بعد قراءة هذا المقال، سيتمكن القارئ من فكّ الارتباط بين النسب على أساس العِرق...

 
 
 

1 Comment


Ramo Ima
Ramo Ima
Aug 09, 2022

في الصميم 🎩

Like

عماد الدين زناف Imed Eddine Zenaf

©2021 par Imed Eddine zenaf. Créé avec Wix.com

  • Blogger Icône sociale
  • Facebook
  • YouTube
  • Instagram
bottom of page